سؤال يراودني هذه الأيام كثيرا وهو : هل نعاني في عالمنا العربي من داء عضال يسمى عدم الاهتمام ؟ ولا أقصد هنا عدم الاهتمام بشيء محدد بعينه ، ولكنه عدم الاهتمام بكل شيء ، فعلى سبيل المثال أنت كفرد من أفراد المجتمع ، وأداة فاعلة فيه ، لا يهتم بك أحد ، أو بمشاعرك ، أو أفكارك ، أو أي شيء من الأشياء التي تخصك فأنت عندما تقول إنك تحب وطنك لا أحد يهتم ، أو حتى عندما تكون حانقاً على وطنك لا أحد يهتم ، وعندما تنتقد السياسات التي تنتهجها حكومات وطنك لا أحد يهتم ، أو حتى عندما تعجب بمواقفها تجاه قضية معينة لا أحد يهتم ، أراؤك حول مسائل شائكة مثل التعليم والصحة والاقتصاد والتأمين الصحي وقضايا المرأة والطفولة لا أحد يهتم بها إني أرى أن هناك حالة عميقة من عدم الاكتراث أو الاهتمام إلى حد يصعب الوصول فيها إلى نهاية ولذا لا تجدنا في مصاف الدول المتقدمة لأن كل واحد منا أصبح لا يسمع إلا إلى صوت نفسه التي زينت له كل شيء يفعله حتى رأينا أننا ننفعل كل الصواب ولا يمكن أن نقع في خطأ ولن يأتي اليوم الذي نشعر فيه أننا أخطأنا في شيء ، وبذلك أمتنا في نفوسنا صوتا ً آخر يمكن للإنسان أن يسمعه في أعماق داخله ، وهو صوت ضميره الذي يشير إليه في أغلب الأحيان إلى أخطائه ، ولكنه وللأسف الشديد أمات في نفسه هذا الصوت وأخرسه للأبد كيف يمكن أن نتقدم وهذه هي الحال التي نعايشها ، كيف يمكن أن نتقدم ولم نرَ أو نسمع في بلادنا العربية أن أحدا من المسئولين قد اعتزل مسئولياته لأنه أخطأ أو رأى أنه فشل في انتهاج سياسة معينة تجاه قضية من القضايا 0 كيف يمكن لبلادنا العربية أن تتقدم ؟ ولا أحد يهتم فيها بالرأي الأخر ، بل ويرى زمرة الكبار في هذه البلدان ، أن من لا يوافقونهم الرأي هم أعداء التقدم ، وأنهم دسوا في البلاد لتخريبها وزعزعة النظام فيها ، ويجب على هؤلاء أن يخرسوا ، ولذا يجب أن تقطع ألسنتهم الثرثارة ، أو فليرحلوا إلى غياهب سجون لا يعلم مستقرها أحد من الإنس ، تصرخ بأعلى صوتك في بلادنا العربية قائلا إن العالم من حولنا قد تقدم في شتى المجالات ، في التعليم والصحة والاقتصاد والدفاع والصناعة والزراعة والتجارة والسياسة ، وكأنك بما تقول تنادي على أموات ، أو تنادي على أناس
قد عموا وصموا .وليسأل سائل ويقول : وماذا عن الشعوب ؟ وأقول إنني لا أعفي الشعوب من تحمل قدر كبير من المسئولية ، فهي جزء أساسي وهام في هذه المنظومة المتهالكة ، حيث إنها قد ارتضت لأنفسها أن تكون مطايا لمن غلبوا مصلحة النفس على مصلحة الأمة ، بل وتجد هذه الشعوب ذاتها غير مهتمة أيضا تعاني من فقر مدقع ولا تهتم ، يعاني أفرادها من
البطالة ولا تهتم ، تجد صحة أفرادها تدهورت ويعانون من أمراض شتى ، ولا تهتم ، تجدهم يسكنون في منازل أشبه بالقبور ولا تهتم ، تجدها تعاني الاضطهاد ولا تهتم ، تنظر إلى أبنائها وتجدهم لا يلقون الرعاية الغذائية أو التعليمية أو التثقيفية الحقيقية ، وهي غير مكترثة ولا تهتم ، لا تهتم هذه الشعوب بالتغيير ، لا يريد الفرد فيها أن يرفع رأسه وينادي أخاه قائلا : ارفع رأسك يا أخي لقد انتهى عصر الاستعباد ، لا تهتم هذه الشعوب بأن تقول للظالم كفى ، تجد الفرد فيها صامتا خائفا يسير نائما ، يفترش الأرض ، ويلتحف السماء قانعا خانعا ، فاقدا للإحساس بكل شيء ، إلى متى يلازمنا هذا الشعور بعدم الاكتراث ، إلى متى يظل الجميع غير مهتم ، لا أدري ولست مهتما كذلك .
أيمن الصادق
ماجستير في الآداب
